وكأن مصر تفيض بالبهجة وتزيد حاجتها للفرح على الحد لكى يختطف منا فيلسوف الكتابة الساخرة جلال عامر! هذا الرائع المبدع الذى كانت جمله الساخرة القصيرة العبقرية هى زادنا اليومى لفهم ما لا يُفهم وفضح المسكوت عنه وتشريح المستخبى بمشرطه اللماح البتار. رحل عنا جلال عامر ونحن فى أمسّ الحاجة إلى ألف جلال عامر.

منذ رحيل الكاتب الساخر الشيك محمد عفيفى والكتابة الساخرة تحتاج إلى فيلسوف يحلل ويرصد بعبارات رشيقة وكلمات ذكية وصياغات مبتكرة، يفهم السخرية على أنها قمة الفن لا قمة الردح،

يفهمها على أنها اللفتة الموحية لا الوقاحة الغليظة الفجة، يفهمها على أنها قرصة ورشفة النحل التى تنتج العسل وتزيد المناعة لا عضة الثعبان الذى ينتج السم ويزيد الكراهية، هكذا كانت السخرية كما فهمها وقدمها هذا الفيلسوف رحمه الله.

كيف اجتمعت صرامة ضابط الجيش مع خفة دم الكاتب الساخر؟ كيف حبست موهبته كل هذه السنين وبخل الزمن وضنَّ علينا بها فخرجت فيضاناً فى سنوات قصيرة كان يسابق فيها الزمن ويكتب فى أكثر من مكان وبنفس الجودة والمستوى الراقى كأنه يعتذر لنا عن تأخره فيمنحنا كل جواهره المكنونة قبل أن تفيض الروح.

عباراته القصيرة العبقرية كانت أشهر تويتات أو تغريدات التويتر العربية، التى تم السطو عليها من البشر والطبقات والأطياف كافة، كان يتحدث عن أصعب الأفكار وأعقدها بأبسط العبارات وأكثرها سخرية، كان حالماً ومتألماً، يكره الجهل والتخلف والخرافة، لم تفارقه البسمة حتى وهو فى أشد حالات التشاؤم والإحباط والاكتئاب، كان يحارب الظلام بسيف الابتسامة والحب والتأمل.

تباً لك كلمة «كان»، كم أكرهك يا كلمة «كان»، وكم أحبك يا فنان، يا من تفلسفت بسخرية وسخرت بفلسفة.